قالت الدكتورة نجلاء مرعي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة والمتخصصة في الشأن الإفريقي، إن الأحداث الأخيرة في السودان، خصوصًا السيطرة على مدينة الفاشر، تمثل مرحلة جديدة في الصراع هناك، حيث لا تعني هذه السيطرة نهاية النزاع بل انتقاله إلى مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث أصبح الصراع متعدد الأطراف ويتعلق بالهويات وبنية السلطة داخل السودان.

وأوضحت مرعي في تصريحات خاصة، أن الوضع السياسي والعسكري في السودان دخل في مرحلة جديدة بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإدراج الحركة الإسلامية في قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول تأثيره على الوضع الداخلي، سواء على مستوى التوازنات السياسية أو العمليات العسكرية.

وأضافت أن تصريحات الفريق عبد الفتاح البرهان، التي نفى فيها سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الجيش، أثارت جدلًا كبيرًا، حيث جاءت ردود من قيادات محسوبة على التيار الإسلامي، بما في ذلك تصريحات سابقة تؤكد أن الحركة تلعب دورًا رئيسيًا في إدارة الحرب، وأن نسبة كبيرة من المقاتلين بجانب الجيش ينتمون إليها، مما يكشف عن ارتباك داخل المعسكر الداعم للمؤسسة العسكرية.

وترى مرعي أن تصنيف الحركة الإسلامية كتنظيم إرهابي في هذا التوقيت قد يفاقم الأزمة ويطيل أمد الحرب، مشيرة إلى أن الحركة لا تزال موجودة على الأرض وتشارك في القتال بجانب الجيش، وقد يدفع هذا التصنيف الحركة إلى مزيد من التصعيد باعتبارها مستهدفة من المجتمع الدولي، مما قد يزيد من التوتر بين الحكومة السودانية والفاعلين الدوليين ويعطل فرص الوصول لتسوية سياسية.

وأكدت المتخصصة في الشأن الإفريقي أن قيادة الحركة لن تستسلم بسهولة، وستسعى للحفاظ على نفوذها، مشددة على أن أي توجه نحو السلام لن يكون ممكنًا إلا بتوافر ضمانات حقيقية من القيادة السودانية والمجتمع الدولي بعدم ملاحقة قياداتها أو المساس بمصالحها في المستقبل.

وشددت مرعي على أن الحل الوحيد للأزمة السودانية يكمن في إطلاق حوار وطني شامل لا يستثني أي طرف، وهو ما دعا إليه الرئيس السيسي، مؤكدة أن الحل يجب أن يكون سودانيًا بعيدًا عن الإقصاء أو التصعيد، خاصة في هذا التوقيت الحرج.

وأشارت إلى أن هناك توجهات داخل بعض الدوائر الغربية تعتبر أن تصنيف الحركة الإسلامية جاء متأخرًا، حيث يرتبط جزء كبير من العنف وعدم الاستقرار في السودان بدورها، وقد انعكس ذلك في نقاشات داخل البرلمان الأوروبي، حيث جرى التحذير من نفوذ إخواني منظم داخل مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية، مما يهدد فرص استقرار السودان ويعزز من تمدد الأيديولوجيات المتشددة.

وأضافت أن اعتماد الجيش السوداني على بعض الكتائب ذات الخلفية الإسلامية، مثل كتيبة البراء بن مالك، التي نفت تصريحات البرهان وأكدت مشاركتها القوية في العمليات العسكرية، يعكس حجم التشابك بين المؤسسة العسكرية وهذه الجماعات، مشيرة إلى أن الدعم الخارجي، بما في ذلك دعم إقليمي غير مباشر، ساهم في تحقيق بعض المكاسب الميدانية، لكنه يفتح الباب أمام تحالفات إقليمية ودولية قد تهدد مصالح الغرب في السودان.

واختتمت الدكتورة نجلاء مرعي تصريحها بالتأكيد على أن الحرب في السودان لم تعد مجرد صراع عسكري تقليدي، بل تحولت إلى صراع أيديولوجي وسياسي بامتياز، مشيرة إلى أن التصريحات المتبادلة بين قيادات الجيش والحركة الإسلامية تكشف عن أزمة حقيقية داخل التحالف القائم، وقد تكون مقدمة لتحولات أوسع في بنية هذا التحالف، خاصة مع الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة والتراجع الميداني الذي يشهده طرفا الصراع، كما أن تصريحات البرهان قد تكون محاولة لإرضاء الجانب الغربي.