قال الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشأن الأفريقي، إن تأثير الصراع في السودان على الأمن القومي المصري موضوع معقد، خاصة بعد مرور عامين ونصف على اندلاعه، حيث تطور مفهوم الأمن القومي ليشمل جوانب متعددة تتجاوز الأبعاد العسكرية التقليدية.

تأثير الصراع في السودان على الأمن القومي المصري

أوضح قرني أن الأمن القومي لم يعد مقتصرًا على الجوانب الأمنية والعسكرية فقط، بل أصبح يتضمن أيضًا الجوانب السياسية والتنموية والثقافية، بجانب القوة الناعمة. وفي هذا السياق، هناك مجموعة من المتغيرات المهمة التي تؤثر بشكل كبير على الأمن القومي المصري نتيجة الصراع في السودان.

الحرب كشفت بدرجة كبيرة عن الأهمية الجيوستراتيجية للسودان

وأشار الخبير إلى أن الحرب في السودان أبرزت أهمية هذا البلد الاستراتيجية، التي كانت مغفلة في السابق. فالصراع جعل المجتمع الدولي والعربي يدرك أهمية السودان، خاصة أن تأثيراته تمتد إلى ثماني دول مجاورة، بالإضافة إلى تأثيرات إقليمية أبعد. التركيز سابقًا كان على الجانب الاقتصادي، لكن الحرب جعلت الأبعاد الاستراتيجية واضحة للجميع.

وأضاف قرني أن مصر، كدولة كبرى في المنطقة، تتأثر بشكل مباشر بالأزمة السودانية، حيث أن تأثيراتها تمتد إلى البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، وليس فقط حدود السودان. هذا يعني أن الأمن القومي المصري يتأثر بشكل كبير بما يحدث في السودان.

الحرب في السودان مست الأسر المصرية بشكل مباشر

أوضح قرني أن العلاقات الثقافية بين مصر والسودان تجعل الأسر المصرية تتأثر بشكل مباشر بالصراع، فالمقولة الشائعة “مصر والسودان شعب واحد في بلدين” تعكس عمق الروابط بين البلدين. لذلك، تأثيرات الحرب تصل إلى الأسر قبل أن تؤثر على الدولة.

وفيما يتعلق بالتأثيرات المباشرة، أشار قرني إلى أن السودان تُعتبر البوابة الجنوبية للأمن القومي المصري، واستقرارها يعني استقرار الحدود الجنوبية لمصر. الأوضاع الإقليمية المتوترة، مثل الحرب في غزة والأوضاع في ليبيا، تزيد من المخاطر على الأمن المصري، مما يجعل الصراع في السودان تهديدًا مباشرًا.

تحقيق توافق مصري سوداني

تحدث قرني عن أهمية التنسيق بين مصر والسودان، خاصة في ملف نهر النيل، حيث أصبح هناك مستوى عالٍ من التنسيق بشأن سد النهضة. هذا التنسيق، حسب رأيه، يُعتبر تطورًا إيجابيًا مقارنة بالفترات السابقة، حيث أدركت الحكومة السودانية خطورة السد وتأثيراته.

تأثير الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر

أشار قرني إلى أن أمن البحر الأحمر يمثل نقطة حساسة للأمن القومي المصري، خاصة مع وجود تهديدات في المنطقة. أي توتر في البحر الأحمر يؤثر على قناة السويس، وهو ما يدفع مصر إلى العمل على استقرار هذه المنطقة. وجود قوى إقليمية ودولية في البحر الأحمر، مثل روسيا وتركيا، يمثل تهديدًا إضافيًا للأمن المصري.

كما نبه إلى أن السودان تواجه تحديات متعددة، منها مواجهة قوات الدعم السريع، مما يزيد من أعباء الأمن السوداني. هذه الأوضاع قد تجعل السودان ساحة لنشاط التنظيمات الإرهابية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لمصر.

الضغوط الاقتصادية الناتجة عن وجود ملايين جدد من النازحين أو اللاجئين

تحدث قرني عن الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها مصر نتيجة استقبال ملايين النازحين السودانيين. فمصر تعتبر الوجهة الأولى للسودانيين بسبب القرب الجغرافي والروابط الاجتماعية. هذا التدفق الكبير قد يتضمن عناصر معادية لمصر، مما يشكل تحديًا أمنيًا. وجود ما بين 12 إلى 14 مليون “ضيف” يشكل عبئًا كبيرًا على الموارد والخدمات، مما يؤثر على الأمن القومي.

تقسيم السودان

اختتم قرني بالإشارة إلى احتمالات تقسيم السودان، حيث تعكس المؤشرات على الأرض خطورة الموقف. سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق استراتيجية قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على الأمن المصري، خاصة في ظل عداء هذه القوات لمصر وعلاقاتها مع إثيوبيا. هذا السيناريو يُعتبر من أخطر الملفات التي تهدد الأمن القومي المصري.