وجه الدكتور محمد الخشت، عضو المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية ورئيس جامعة القاهرة السابق، نقدًا قويًا للإمام الغزالي، مشيرًا إلى أن فكره كان نقطة تحول مهمة في تاريخ العقل داخل الثقافة الإسلامية.
جاء ذلك خلال محاضرة في المؤتمر الدولي الثالث حول المعتقد والعلم والعقل، الذي نظمته جامعة محمد بن زايد بالتعاون مع المعهد الفرنسي للدراسات الإسلامية في جامعة السوربون بباريس، وقد حضر المؤتمر عدد من الأكاديميين والباحثين الدوليين في الفلسفة والعلوم الإنسانية.
الخشت عن أبي حامد الغزالي: نقطة مفصلية في تاريخ استقالة العقل.. وفتح الباب أمام هيمنة التفكير الخرافي
يرى الدكتور الخشت أن إنكار الغزالي لمبدأ السببية الطبيعية كان له تأثير كبير على الثقة في قوانين الطبيعة، مما أدى إلى انتشار التفكير الخرافي وتبرير الخوارق، وهذا أثر سلبًا على تطور العقل العلمي عند المسلمين.
كما انتقد كتاب إحياء علوم الدين، معتبرًا أنه ساهم في تعزيز أنماط من التدين التي تعتمد على رؤية سحرية للعالم، مما جعل العقل البرهاني والعلوم الطبيعية في وضع هامشي، وهذا ساهم في تهميش المنهج النقدي.
وأكد الخشت أن تجديد الخطاب الديني يحتاج إلى تفكيك العقل المغلق، وإعادة الاعتبار للعقلانية، وربط الإيمان بالمعنى والأخلاق دون تعطيل قوانين الطبيعة.
وفي بداية كلمته، أكد على أهمية التمييز بين المعتقد الديني كمعرفة قائمة على الوحي، وبين العلم كمعرفة تجريبية تعتمد على الملاحظة، مشيرًا إلى أن الخلط بين المجالين هو سبب الكثير من المشكلات الفكرية.
وأوضح أن العلم لا ينتج إيمانًا أو إلحادًا بشكل مباشر، بل يُفسر وفق الأطر الفلسفية التي يُنظر من خلالها.
وفي طرحه المهم، دعا الدكتور الخشت إلى بناء علاقة جديدة بين الدين والعلم تقوم على الشراكة، وقدم أربعة مبادئ لإعادة بناء هذه العلاقة، مؤكدًا أن إصلاح التعليم هو الوسيلة الأفضل لتجاوز الأنماط التقليدية وتعزيز التفكير النقدي.
وشدد على أن التعليم ليس مجرد نقل للمعرفة، بل هو عملية لبناء العقل وتشكيل الوعي.
كما أوضح أن غياب التفكير النقدي يفتح المجال للتفكير المغلق، بينما التعليم القائم على العقلانية يساعد في تحصين المجتمعات من التطرف، ويعزز مفاهيم الدولة الوطنية الحديثة.
وتحدث الدكتور الخشت عن التاريخ الطويل للعلاقة بين الدين والعلم، موضحًا أنها مرت بأربعة أنماط: الاتفاق، الحوار، الصراع، والفصل، مشيرًا إلى أن الحضارات القديمة كانت تجمع بين الدين والمعرفة، بينما شهدت أوروبا لحظات توتر مثل محاكمة جاليليو
كما انتقد استخدام العلوم الطبيعية في بناء خطابات ضد الدين، معتبرًا أن ذلك يتجاوز حدود المنهج العلمي.
وأكد أن الصراع بين الدين والعلم ليس حتميًا، وأن قوانين الطبيعة لا تتعارض مع قوانين الله، بل هي سنن إلهية يسعى العلم لفهمها.
وفي ختام المؤتمر، تم تكريم الدكتور محمد عثمان الخشت ومنحه شهادة تقدير من المعهد الفرنسي للدراسات الإسلامية، تعبيرًا عن المستوى العلمي الرفيع لمحاضرته.


التعليقات