تتباين آراء الخبراء حول قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري المقرر في 25 ديسمبر 2025، حيث يدور الحديث بين تثبيت الفائدة أو خفضها بشكل محدود، في ظل أوضاع اقتصادية معقدة تتعلق بالتضخم وسعر الصرف.
ترجيح التثبيت.. الخيار الأكثر واقعية
يعتقد عز حسانين، الخبير الاقتصادي، أن لجنة السياسة النقدية ستثبت أسعار الفائدة عند 21% للإيداع و22% للإقراض و21.5% للعملية الرئيسية، معتبرًا أن هذا الخيار هو الأكثر منطقية في الوقت الحالي.
وأضاف حسانين، في تصريحات خاصة، أن أسباب التثبيت تتفوق على أسباب الخفض، رغم وجود دوافع لكلا الخيارين، مشيرًا إلى أن المركزي خفض الفائدة بالفعل بنحو 6.25% خلال 2025 عبر أربع اجتماعات، وهو ما يكفي للخروج من العام دون ضغوط إضافية.
كما أشار إلى أن التضخم الأساسي ارتفع إلى 12.5% في نوفمبر مقارنة بـ12.1% في أكتوبر، بسبب زيادة أسعار الخدمات، كما أن هناك ضغوط تضخمية محتملة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود وتعديل قانون الإيجارات القديمة، وهو ما قد يؤثر على أسعار السلع.
وأشار إلى أن تثبيت الفائدة يساعد في الحفاظ على القوة الشرائية للمودعين، خاصة بعد انخفاض عوائد الشهادات الادخارية من أكثر من 27% إلى حوالي 17.25%، مما أثر على مستويات الإنفاق في ظل زيادات متوقعة في تكاليف المعيشة.
وأكد على أهمية الانتظار لمراقبة تأثير إجراءات رفع الدعم والتحول إلى الدعم النقدي، بجانب استمرار التوترات الجيوسياسية واحتمالات عودة التضخم المستورد نتيجة اضطرابات سلاسل الإمداد.
كما أشار إلى أن الكتلة النقدية لا تزال مرتفعة، وأن البنك المركزي يستخدم أدواته للسيطرة على السيولة، معتبرًا أن بدء خفض الفائدة يجب أن يكون تدريجيًا خلال 2026 وبما لا يتجاوز 5% إلى 6% طوال العام.
وحذر حسانين من أن خفض الفائدة قبل استحقاق شهادات الـ27% في يناير 2026، والتي تزيد قيمتها عن 1.25 تريليون جنيه، قد يدفع الكثير من المدخرين إلى توجيه أموالهم نحو الذهب والعقارات، مما قد يرفع مستويات التضخم.
وعن مبررات الخفض، أشار إلى تحسن مؤشر مديري المشتريات إلى 51.5 نقطة، وتراجع مؤشر أسعار المنتجين، واستقرار أسعار القمح عالميًا، مما يقلل من مخاطر التضخم، بالإضافة إلى دور خفض الفائدة في تخفيف أعباء الموازنة العامة.
وشدد على أن التضخم وسعر الصرف هما العوامل الأساسية في قرارات المركزي، موضحًا أن استمرار تباطؤ التضخم واستقرار الجنيه قد يفتح المجال لتسريع الخفض في 2026.
توقع حسانين أن تطرح البنوك شهادات ادخار جديدة بعائد قريب من 20% لامتصاص استحقاقات الشهادات مرتفعة العائد، مشيرًا إلى أهمية اغتنام الفرصة لربط شهادات طويلة الأجل قبل بدء موجة الخفض المتوقعة العام المقبل.
توقعات بخفض محدود للفائدة
في المقابل، توقع أحمد مجدي منصور، الخبير المصرفي، أن يتجه البنك المركزي إلى خفض سعر الفائدة بنسبة 1% خلال الاجتماع المقبل.
وأشار منصور إلى أن المركزي بدأ سياسة التيسير النقدي منذ الربع الأول من 2025، مع تراجع معدلات التضخم، مستهدفًا الوصول بمعدل التضخم إلى 7% خلال 2026.
وأضاف أن الخفض المتوقع قد يتراوح بين 0.5% و1%، مدعومًا بتراجع التضخم وتوافر العملة الأجنبية نتيجة زيادة تحويلات المصريين بالخارج، موضحًا أن القرار يهدف أيضًا إلى تخفيف الضغط على الموازنة العامة.
وأوضح أن خفض الفائدة سينعكس إيجابيًا على المصانع والشركات من خلال تقليل تكلفة التمويل، مما يساعدها على إنتاج سلع بتكلفة أقل وضخها في الأسواق بأسعار تنافسية.
وأشار إلى أن مع اقتراب موعد استحقاقات شهادات الادخار مرتفعة العائد، سيكون على صانع القرار مساندة البنوك الحكومية في طرح شهادات جديدة قادرة على امتصاص السيولة المتوقعة خروجها.
قراءة حذرة للتضخم
قال الدكتور هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، إن قرار الاجتماع السابق بخفض الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، كان إشارة واضحة إلى توجه المركزي نحو سياسة تيسيرية محسوبة، مع مراعاة الضغوط السعرية الحالية.
أضاف أن الأسواق تترقب اجتماع ديسمبر في ظل عودة ارتفاع معدلات التضخم، مشيرًا إلى أن الارتفاع الشهري للتضخم بنسبة 1.8%، يعد تحديًا أمام أي خفض سريع للفائدة.
أوضح أن هذا الارتفاع مدفوع بعوامل غير مؤقتة، مثل أسعار الغذاء والخدمات، مما يجعل الرهان على تباطؤ تلقائي للتضخم أمرًا مبالغًا فيه، محذرًا من أن الإفراط في الخفض قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع.
ورغم النمو المقبول للاقتصاد، فإن فجوة الإنتاج لا تبرر المجازفة بتيسير نقدي مفرط، خاصة مع وجود تضخم مستورد لا يرتبط بدورة النشاط المحلي، محذرًا من أن الإفراط في الخفض قد يعمق الاختلالات.
توقع أن يكون السيناريو الأرجح هو التثبيت أو خفض محدود في حدود 50 نقطة أساس، بينما يبقى خفض أكبر بين 75 و100 نقطة أساس مستبعدًا حاليًا بسبب تسارع التضخم.
واتفق أبو الفتوح مع توقعات وكالة فيتش، التي رجحت تراجع سعر الفائدة إلى 21% بنهاية 2025، ثم إلى 11.25% خلال 2026، مع توقع نمو الاقتصاد المصري بمعدل يتراوح بين 4.3% و5% سنويًا خلال الفترة من 2027 إلى 2034، مدفوعًا بانحسار التضخم وتحسن مؤشرات النمو.
وحذر من أن الخطر الأكبر يتمثل في احتمالات ارتفاع أسعار الطاقة أو تراجع جديد في قيمة العملة، مؤكدًا أن السيطرة على التضخم تظل شرطًا أساسيًا لتعافي الاقتصاد، وأن أي خفض للفائدة يجب أن يحافظ على استقرار الأسعار.


التعليقات