حقق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الولايات المتحدة في تسليط الضوء على مراسلات وتحليلات تتعلق بمحاولات قادة النظام السوري السابق للعودة إلى الحكم في سوريا خلال فترة حكم بشار الأسد.

تفاهمات قادة نظام الأسد للعودة إلى حكم سوريا

أفادت الصحيفة بأنها حصلت على مراسلات مخترقة تكشف عن خطط قادة نظام الأسد لتسليح عناصر مقاتلة، وتوسيع نفوذهم الدبلوماسي حتى العاصمة الأمريكية “واشنطن”، بهدف تقديم أنفسهم كبديل محتمل للحكم في حال فشل أحمد الشرع ونظامه في السيطرة على الأوضاع.

كما أشارت الصحيفة إلى أن الأسماء الواردة في هذه المراسلات تعود لكبار رؤساء أجهزة الاستخبارات والجنرالات الذين عملوا تحت إدارة بشار الأسد، وقد أمضوا أكثر من عشر سنوات في قمع انتفاضة شعبية في سوريا، والآن، بعد عام من انهيار النظام، يخططون لتقويض الحكومة الناشئة التي أطاحت بهم، وربما استعادة جزء من البلاد.

ورغم ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هؤلاء المسؤولون السابقون يشكلون تهديدًا حقيقيًا للسلطات السورية الجديدة، حيث إنهم غالبًا ما يكونون على خلاف فيما بينهم، لكن من خلال مقابلات ومراسلات اطلعت عليها الصحيفة، يبدو أنهم مصممون على استعادة نفوذهم في سوريا، التي لا تزال تعاني من توترات بعد 13 عامًا من الحرب.

قادة نظام الأسد يقودون تمرد مسلح من المنفى

في سياق متصل، يحاول بعض قادة النظام السابقين بناء تمرد مسلح من المنفى، حيث دعم أحدهم جماعة ضغط في واشنطن بتكلفة مليون دولار، ويأمل عدد منهم في اقتطاع الساحل السوري، موطن الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد وكبار قادته العسكريين والأمنيين.

وذكر غياث دلا، قائد سابق في الفرقة الرابعة، في مكالمة هاتفية أجراها من لبنان في أبريل، “لن نبدأ قبل أن نكون مسلحين بالكامل”، وقد تم اعتراض هذه المكالمة دون علمه.

تقول الصحيفة إن هذا الحوار هو جزء من عشرات المكالمات والنصوص التي جرى تفريغها، وقد شاركتها مجموعة من الناشطين السوريين الذين اخترقوا هواتف كبار قادة الأسد قبل سقوط النظام، وظلوا يراقبونهم منذ ذلك الحين.

دور سهيل الحسن الشهير بـ النمر في التواصل

يعد سهيل الحسن، القائد السابق للقوات الخاصة لدى الأسد، وكمال الحسن، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، من الشخصيات البارزة في هذه الجهود، وكلاهما يواجه عقوبات دولية بتهم تتعلق بجرائم حرب.

تشير الرسائل النصية والمقابلات إلى أنهم قاموا بتوزيع أموال وتجنيد مقاتلين، وفي حالة شبكة سهيل الحسن، تأمين أسلحة.

على الرغم من أن الجنرالين قد غادروا إلى المنفى في موسكو مع الأسد في ديسمبر 2024، إلا أنهما يبدو أنهما قادران على التنقل والسفر رغم العقوبات الدولية.

تشير الرسائل إلى أن سهيل الحسن التقى خلال العام الماضي متعاونين معه في لبنان والعراق، وحتى داخل سوريا، كما وردت معلومات عن زيارة كمال الحسن للبنان حيث أكد عدد من المعارف أنه التقى الجنرال السابق هناك.

ورغم محاولات التواصل، لم تتمكن الصحيفة من الوصول إلى سهيل الحسن، أما كمال الحسن، فقد نفى عبر رسالة نصية تورطه في التحريض على تمرد مسلح.

على الجانب الآخر، قلل مسؤولون سوريون يراقبون محاولات التمرد من خطورة أي تمرد محتمل، مشيرين إلى أنهم غير مخولين بالحديث إلى الصحافة.

قال مسؤولان سابقان في عهد الأسد، يتعاونان الآن مع الجنرالين السابقين، إنهم في وضع جيد لتجنيد عناصر من داخل المجتمع العلوي، الذي يعيش حالة من الخوف ويضم أيضًا عددًا كبيرًا من الجنود السابقين.

ومع ذلك، يبقى من غير الواضح عدد من قد يستجيب لهذا النداء، إذ لا يزال كثير من العلويين يحملون استياءً عميقًا من النظام بعد سنوات من الحرب الأهلية.

تعود أقدم المراسلات التي جرى اعتراضها إلى أبريل 2025، حين لاحظ الناشطون تصاعدًا في نشاط بعض الأهداف بعد شهر من مقتل أكثر من 1,600 شخص، معظمهم من العلويين، في موجة من العنف الطائفي.

تسببت المجزرة في الساحل السوري في تعبئة مسؤولي نظام الأسد السابقين الساعين لتجنيد مقاتلين علويين، وكُشفت عن خطط متنافسة لتحقيق ذلك.

عمليات الأمن فى الساحل السوري، أحداث اليوم
عمليات الأمن فى الساحل السوري، أحداث اليوم

كان سهيل الحسن، المعروف بلقب “النمر”، من أكثر الشخصيات نشاطًا، حيث عُرف بتكتيكاته القاسية في القتال، ويتهم بإصدار أوامر بتنفيذ غارات جوية استهدفت مدنيين.

يبدو أن الحسن لم يكن مهتمًا بالجلوس بلا حراك في روسيا، حيث أظهرت مراسلات بينه وآخرين أنه كان يخطط للعودة، متضمنة مخططات مكتوبة تشرح أعداد المقاتلين ونوعية الأسلحة المتاحة في قرى الساحل السوري.

اختراق مراسلات بعثها سهيل الحسن إلى قائده

أرسل سهيل الحسن مخططات إلى شخص خاطبه بصفته “القائد العام لجيشنا وقواتنا المسلحة”، حيث ذكر أنه تحقق من هويات أكثر من 168 ألف مقاتل، بينهم 20 ألفًا لديهم إمكانية الوصول إلى رشاشات، و331 يمتلكون مدافع مضادة للطائرات، و150 بحوزتهم قذائف مضادة للدروع، و35 قناصًا يحتفظون بأسلحتهم.

كان يختم كل رسالة بالتوقيع “خادمكم، برتبة محارب مقدس”، رغم أنه لم يسم قائده في الرسائل.

لكن ثلاثة أشخاص مشاركين في هذه الخطط قالوا إنه يعمل مع رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن عم بشار الأسد، والذي فرّ إلى موسكو، حيث يُعتقد أنه مول جهود الحسن وأرسل مبالغ كبيرة لعائلات علوية فقيرة في الساحل السوري.

بحلول الربيع، أظهرت المراسلات أن الحسن كان قد جنّد غياث دلا، جنرال الفرقة الرابعة، حيث ذكر دلا أنه وزّع 300 ألف دولار كمدفوعات شهرية على مقاتلين محتملين وقادة، وطلب الموافقة على شراء معدات اتصالات عبر الأقمار الصناعية.

أشار دلا إلى أنه يعيش بالقرب من الحدود السورية، في منزل داخل لبنان، وكان يفتقر إلى الكهرباء، ووصف اجتماعاته مع قادة ميليشيات عراقية موالية لإيران لمناقشة تهريب الأسلحة إلى المتمردين.

كما أظهرت مراسلات أخرى إلغاء دلا لمخططات لعمليات اغتيال وخطط لشراء طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدروع.

في أبريل، انضم الجنرال محمد الحاصوري، قائد بارز في سلاح الجو، إلى الشبكة، حيث نقل إيرانيون 20 طيارًا آخرين إلى لبنان، معربين عن رغبتهم في الانضمام إلى تمرد الحسن بشرط تغطية نفقاتهم.

قال مسؤول سابق في النظام إنه كان على تواصل مع الحاصوري، وأكد أن هذه الرواية دقيقة، لكنه أضاف أن الخطط انهارت بعد شهر.

كما ورد في المراسلات أن كمال الحسن كان يقدم مدفوعات لمؤيدين ومجندين محتملين، رغم أنه يخضع لعقوبات أمريكية بسبب إشرافه على فرعين سيئين السمعة في الاستخبارات العسكرية.

عندما سُئل عن تلك الاتهامات، قال الحسن إنها مجرد مزاعم سياسية، ورفض ما يتعلق بتمويله لمتمردين محتملين.

سهيل الحسن، أحداث اليوم
سهيل الحسن، أحداث اليوم

يبدو أن التركيز الأكبر لسهيل الحسن كان على بناء شبكة نفوذ بدلاً من التركيز على تمرد مسلح، حيث يُعتبر القوة الدافعة وراء “مؤسسة تنمية سوريا الغربية” التي تتخذ من بيروت مقرًا لها.

تقدم المؤسسة نفسها كجهة تعمل لصالح الأقليات السورية، لكن بعض الأشخاص الذين يعملون مع الحسن يقولون إنه يستخدمها للضغط على واشنطن من أجل إقرار “حماية دولية” للمنطقة العلوية في سوريا.

في مقاطع فيديو على الإنترنت، يظهر الحسن وهو يدعم اللاجئين السوريين في لبنان، كما تظهر منشورات على صفحة المؤسسة في “فيسبوك” تشير إلى أن تكاليف حملة لإسكان اللاجئين العلويين تم تغطيتها بالكامل من قبل كمال الحسن.

تعاقد قادة الأسد مع شركة الضغط الأمريكية تايجر هيل بارتنرز

بحسب إفصاحات في الولايات المتحدة، تعاقدت المؤسسة مع شركة الضغط الأمريكية “تايجر هيل بارتنرز” بموجب عقد قيمته مليون دولار لتمثيلها.

كان سهيل الحسن قد أحال طلب إجراء مقابلة إلى مستشار سابق للرئيس ترامب، لكنه لاحقًا نفى أي صلة له بالمؤسسة أو أي منظمة سورية، مشيرًا إلى دعمه لأي خطوة تخدم التنمية والسلام في سوريا.

رفض المستشار التعليق، لكن قال إن المؤسسة تعمل على حماية وتمثيل الأقليات في سوريا.

على وسائل التواصل الاجتماعي، روّجت المؤسسة لاجتماعات مع مكاتب ستة مشرعين أمريكيين، وأكد مساعدون لهم أن هذه الاجتماعات كانت روتينية.

بعض الدبلوماسيين في سوريا أعربوا عن انزعاجهم من جهود الضغط في واشنطن، حيث قد تضع هذه الحملات الأسس لدعوات لإقامة إقليم شبه ذاتي الحكم في سوريا.

قال بسام برابندي، الدبلوماسي السابق الذي انشق عن نظام الأسد، إنه من غير المحتمل أن يمر مثل هذا الطرح اليوم، لكن ربما بعد عامين أو ثلاثة، إذا لم توفر الحكومة الحالية الاستقرار، قد يبحث القادة الأمريكيون عن أطراف أخرى للعمل معها.