قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، إن الصدمات الخارجية التي شهدتها البلاد كان لها تأثير كبير على مصر، مشيرًا إلى أن الدين العام أصبح يمثل 84% من الناتج المحلي، وأن الحكومة تسعى لتقليص هذا الدين إلى مستويات لم تصلها البلاد منذ خمسين عامًا.

خفض الدين

أوضح رئيس الوزراء أن ملف الدين العام مهم جدًا، ونسعى لعدم تحميل المواطن أي أعباء إضافية، مشيرًا إلى أن حوالي 2.8 مليون مواطن حصلوا على عمليات جراحية على نفقة الدولة، كما نتوقع زيادة بنسبة 20% في الصادرات غير البترولية في الفترة القادمة، وقد أشادت المؤشرات الدولية بتعافي النمو الاقتصادي في مصر.

وفي التقرير التالي، نستعرض آراء وتوقعات الخبراء حول إمكانية نجاح الدولة في خفض الدين دون تحميل المواطن الفاتورة.

خفض حجم الدين إلى مستويات لم تشهدها مصر

علق الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، على تصريحات مدبولي حول استهداف خفض الدين إلى مستويات لم تشهدها مصر منذ حوالي خمسين عامًا، مؤكدًا أن هذه التصريحات قد تثير بعض الالتباس في فهم المقارنة الزمنية، حيث كانت الديون الخارجية في حدود خمسة مليارات دولار قبل خمسين عامًا، بينما الدين الخارجي الحالي يبلغ نحو 161 مليار دولار، مما يجعل المقارنة الرقمية غير منطقية اقتصاديًا.

وأضاف فؤاد أن المقصود ليس حجم الدين المطلق، بل نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يفتح نقاشًا حول مدى جدوى الاعتماد على هذا المؤشر كمعيار للحكم على الوضع المالي للدولة، ومدى قدرته على عكس تحسن حقيقي يشعر به المواطن، حتى مع تسجيل أرقام إيجابية على الورق.

الدين يستحوذ على أكثر من 65% الاستخدامات العامة

أوضح فؤاد أن الدين يستحوذ على أكثر من 65% من الاستخدامات العامة، بينما تلتهم فوائد الدين نحو 88% من الإيرادات الضريبية، وهذه مؤشرات تكشف حجم الضغط على المالية العامة، وتوضح أن أي تحسن في نسبة الدين إلى الناتج المحلي لا يترجم بالضرورة إلى تحسين فعلي في القدرة المالية للدولة، ولا يفتح مساحة أكبر للإنفاق التنموي أو تحسين أوضاع المواطنين.

وأشار إلى أن المشكلة الأعمق تكمن في أن نمو الناتج المحلي لا يترجم بالضرورة إلى قدرة حقيقية على السداد، فقد يحقق الاقتصاد معدلات نمو إيجابية دون أن يترافق ذلك مع توسع في القاعدة الضريبية أو زيادة مستدامة في موارد النقد الأجنبي.

الدين يفقد وظيفته التنموية

أكد فؤاد أن الدين يفقد وظيفته التنموية، ويتحول من أداة لتمويل النمو إلى وسيلة لسد الفجوات القائمة، ويصبح تحقيق الفائض الأولي إنجازًا محاسبيًا يتحقق غالبًا عبر الضغط على بنود الإنفاق الاجتماعي والاستثماري، وليس من خلال تحسين كفاءة الإنفاق أو تعظيم الإيرادات، مما يتنافى مع قدرة هذا المسار على تخفيف الأعباء عن المواطن.

ولفت إلى أن المواطن لا يعيش داخل نسبة الدين إلى الناتج المحلي، بل يشعر بتحسن حقيقي من خلال جودة الخدمات العامة واستقرار الأسعار، وعندما تستحوذ خدمة الدين على الجزء الأكبر من الموارد، يكون الثمن واضحًا في خدمات أقل واستثمار مؤجل وضغط متزايد على مستوى المعيشة.

خفض الدين لا يتحقق بقرارات سريعة

قال الدكتور أحمد خطاب، الخبير الاقتصادي، إن تصريحات مدبولي بشأن استهداف خفض الدين العام تعكس توجهًا صحيحًا، لكنها تحتاج إلى مزيد من الشرح والشفافية حول آليات التنفيذ وتأثيرها الفعلي على المواطن.

وأوضح خطاب أن خفض الدين لا يتحقق بقرارات سريعة، بل عبر مسار طويل يبدأ بتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي، حيث تم توجيه جزء كبير من الدين الحالي لتمويل مشروعات بنية تحتية ومدن جديدة، مما يضغط بشكل مباشر على الطلب على العملة الأجنبية.

الدين الخارجي يرتبط بشكل وثيق بحجم الواردات

أشار خطاب إلى أن الدين الخارجي يرتبط بشكل وثيق بحجم الواردات، موضحًا أن تقليل الدين يتطلب خفض الاستيراد غير الضروري وزيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي، إلى جانب التوسع في الصادرات، حتى تتمكن الدولة من سداد أصل الدين وفوائده دون اللجوء لاقتراض جديد.

وأضاف أن الدينين الداخلي والخارجي متداخلان، حيث يُستخدم الدين الخارجي في كثير من الأحيان لسد عجز الموازنة وتغطية التزامات حكومية متراكمة، مما يجعل مسألة خفض الدين تحديًا معقدًا وليس قرارًا إداريًا فقط.

وحول تأكيد رئيس الوزراء أن خفض الدين لن يكون على حساب المواطن، قال خطاب إن هذا الهدف ممكن، لكن بشرط وضوح الرؤية الاقتصادية وتوجيه الموارد نحو القطاعات القادرة على توليد دخل مستدام.

زيادة فرص العمل وارتفاع الدخول

لفت خطاب إلى أن الدولة لديها فرص حقيقية في الفترة الحالية، في ظل ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج وتحسن إيرادات السياحة، إلى جانب مشروعات كبرى مثل المتحف المصري الكبير والساحل الشمالي، مؤكدًا أن تحقيق المستهدف الكامل لخفض الدين قد يكون صعبًا، لكن الوصول إلى 50% أو حتى 60% من الهدف يعد نجاحًا حقيقيًا.

وتابع أن المواطن لن يشعر بتحسن حقيقي إلا إذا انعكس هذا المسار على زيادة فرص العمل وارتفاع الدخول، موضحًا أن الأزمة ليست في غلاء الأسعار، بل في ضعف الدخل، وأن الحل يكمن في بناء اقتصاد منتج يرفع مستوى المعيشة.