باتت الأرصفة في المدن والأحياء المصرية مهددة بالاستحواذ غير القانوني من معارض السيارات والمحلات التجارية، حيث حولت هذه الأنشطة الممرات المخصصة للمشاة إلى ساحات عرض مفتوحة، مما يضع المواطنين في موقف صعب بين خطر السير في الشوارع وزحام المعارض الممتد على الأرصفة.
خلل في تطبيق قانون المحال التجارية
هذه الظاهرة ليست مجرد تجاوزات فردية، بل تعكس خللاً هيكليًا في تطبيق القانون وضعف الرقابة على النشاط التجاري، رغم صدور قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 الذي حدد بوضوح حدود المساحات المخصصة للتجارة ومنع إشغال الطريق العام.

معارض السيارات
ويشير خبراء الإدارة المحلية إلى أن استغلال الأرصفة بهذا الشكل لا يؤثر فقط على حركة المرور وسلامة المواطنين، بل يتجاوز ذلك ليؤثر على الاقتصاد الرسمي، حيث يتم إهدار مليارات الجنيهات سنويًا بسبب نشاطات تجارية غير مرخصة لا تخضع للضرائب أو رسوم الإشغال، بالإضافة إلى تلوث بصري وازدحام متزايد يضر بالمشهد الحضاري للمدن. ومع استمرار هذه التجاوزات، يبقى السؤال مطروحًا: متى ستتمكن الأجهزة الرقابية والمحليات من فرض القانون وإعادة الأرصفة إلى حقها الطبيعي كممر آمن للمواطنين؟
وعلق الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية، على استغلال الأرصفة من قبل معارض السيارات والمحال التجارية، مؤكدًا أن أزمة الإشغالات لم تعد مجرد مخالفات فردية، بل تحولت إلى ظاهرة تهدد النظام العام وتهدر مليارات الجنيهات من المال العام، في ظل ضعف تطبيق قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 رغم صدوره ولائحته التنفيذية.
مصر تضم أكثر من 3425 سوقًا عشوائيًا تم إهمالها عبر عقود طويلة
أكد عرفة، في تصريحات خاصة، أن الأكشاك والخيام تُعد بحكم القانون محال عامة، وتسري عليها جميع اشتراطات الترخيص والرقابة، مشيرًا إلى أن مصر تضم أكثر من 3425 سوقًا عشوائيًا تم إهمالها عبر عقود طويلة، دون خطط جادة لتطويرها أو دمجها في الاقتصاد الرسمي. وطالب بتدخل صندوق تطوير العشوائيات بالتعاون مع المحافظين لوضع برامج عاجلة تشمل تطوير المواقع ورفع المخلفات وتحسين جودة السلع، وإنشاء نقابة للباعة داخل هذه الأسواق.

معارض السيارات
وأوضح أستاذ الإدارة المحلية أن غياب الأسواق المنظمة للبائعين الجائلين يحرم الدولة سنويًا من نحو 92 مليار جنيه في صورة ضرائب ورسوم مرافق وخدمات، مؤكدًا أن هذا الفقد يمثل نزيفًا مستمرًا للاقتصاد المحلي.
التراخي في تنفيذ قانون المحال التجارية الجديد
وانتقد عرفة، التراخي في تنفيذ قانون المحال التجارية الجديد، مطالبًا المحافظين ورؤساء الأحياء والمراكز والوحدات المحلية بتطبيقه بحزم، قائلاً إن تجاوزات معارض السيارات وأصحاب المحال أصبحت بلا حدود، وتشمل احتلال الأرصفة والضوضاء والتلوث البيئي، والإزعاج المتكرر للمواطنين. لافتًا إلى أن القرى التي تمثل نحو 58% من سكان مصر بعدد يصل إلى 4726 قرية، لا تتجاوز نسبة المحال المرخصة فيها 18% فقط، بينما لا تزيد نسبة المحال المستوفية للاشتراطات البيئية والصحية في المحافظات الـ27 عن 34% كحد أقصى.
وحذر أستاذ الإدارة المحلية من أن هذا الوضع يهدر على المحليات ما يقرب من 88 مليار جنيه سنويًا من رسوم تراخيص وتوفيق أوضاع وغرامات وإعلانات وإشغالات طريق، ضاربًا مثالًا بمنطقة صقر قريش بالمعادي التي تحولت إلى منطقة صناعية عشوائية تضم معارض سيارات وورش تغيير زيوت بالمخالفة للقانون، وهو ما يتكرر في مناطق شعبية مثل الهرم وفيصل وغيرها. مؤكدًا أن انتشار ورش النجارة داخل الكتل السكنية يخالف البند السادس من قانون المحال الخاص بحماية راحة المواطنين، ويستوجب الغلق الفوري.
ظاهرة استغلال معارض السيارات والمحال التجارية للأرصفة
قال المهندس وفيق عزت، وكيل لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إن ظاهرة استغلال معارض السيارات والمحال التجارية للأرصفة والشوارع ترجع في الأساس إلى غياب الرقابة الفعّالة من جهة، وتعقيد إجراءات الترخيص من جهة أخرى، وهو ما يدفع عددًا كبيرًا من أصحاب الأنشطة للعمل خارج الإطار القانوني.
وأوضح عزت في تصريحات خاصة، أن قانون تنظيم المحال العامة صدر في الأساس بهدف توحيد وتنظيم إجراءات الترخيص، بحيث يتقدم المواطن من خلال "شباك واحد" ينهي من خلاله جميع الإجراءات، إلا أن الواقع العملي يكشف تمسك جهات متعددة بإجراءاتها المنفصلة، مثل الحماية المدنية وهيئة سلامة الغذاء والوحدات المحلية والغرف التجارية، وهو ما يعقّد المشهد ويدفع بعض المواطنين للعمل دون ترخيص.

معارض السيارات
دمج المحال غير المرخصة داخل الاقتصاد الرسمي
وأضاف عضو مجلس النواب، أن الفلسفة الأساسية للقانون تقوم على دمج المحال غير المرخصة داخل الاقتصاد الرسمي، بما يحقق استفادة متبادلة للدولة وأصحاب المحال، من خلال تحصيل رسوم التراخيص والضرائب والتأمينات، إلى جانب فرض رقابة حقيقية على جودة السلع والخدمات المقدمة للمواطنين. مؤكدًا أن تعقيد الإجراءات يُفقد الدولة هذه الموارد ويُبقي الاقتصاد غير الرسمي قائمًا.
وأشار وكيل لجنة الإدارة المحلية إلى أن وزارة التنمية المحلية اتخذت مؤخرًا خطوات مهمة لتسهيل إجراءات الترخيص، من بينها خفض تكلفة تراخيص المحال العامة، معربًا عن أمله في أن يتم تطبيق هذه التسهيلات بجدية على أرض الواقع، حيث يعوق تفعيلها "الأيدي المرتعشة" داخل بعض الأجهزة التنفيذية، وهو ما يستدعي حسمًا إداريًا واضحًا.
ضبط وتنظيم عمل معارض السيارات
أكد النائب عبد الفتاح يحيى، عضو مجلس النواب، أهمية ضبط وتنظيم عمل معارض السيارات المنتشرة على عدد من المحاور والشوارع الرئيسية، مشيرًا إلى أن بعض هذه المعارض توسّع نشاطه خارج الحدود المقررة، ما أدى إلى إشغال الأرصفة وأجزاء من نهر الطريق بصورة تؤثر على حركة المرور وحق المشاة.
وأضاف عضو مجلس النواب في تصريحات خاصة، أن الرصيف مخصص في الأساس لحركة المواطنين، وأن استخدامه في أنشطة تجارية يخلق حالة من الارتباك المروري ويحمّل الدولة أعباء إضافية، خاصة في المناطق ذات الكثافات السكانية العالية. مؤكدًا أن الهدف ليس التضييق على الاستثمار أو الأنشطة التجارية، وإنما تحقيق التوازن بين مصالح أصحاب المعارض وحقوق المواطنين.
وضع آليات ثابتة للرقابة
وأوضح النائب أن المسؤولية في هذا الملف تقع على عاتق الأجهزة التنفيذية بالمحليات ورؤساء الأحياء، من خلال المتابعة الدورية والتعامل المبكر مع أي تجاوزات قبل تفاقمها. مشددًا على أن القوانين واللوائح المنظمة لإشغال الطريق العام واضحة، لكنها تحتاج إلى تفعيل منتظم وليس حملات مؤقتة.
وطالب النائب بضرورة وضع آليات ثابتة للرقابة، تشمل التنبيه المسبق، وتدرج العقوبات، وتخصيص أماكن بديلة لعرض السيارات بما يضمن الحفاظ على المظهر الحضاري للمدن ويخفف الضغط المروري.


التعليقات