أثارت المناقشات حول إعادة نسبة الدين العام إلى مستويات ما قبل خمسين عامًا الكثير من الجدل بين الخبراء الاقتصاديين، الذين يرون أن الهدف ممكن حسابيًا لكنه معقد جدًا في الظروف الاقتصادية الحالية.
يقول خبراء الاقتصاد إن نسبة الدين العام في عام 1975 كانت حوالي 72.1% من الناتج القومي الإجمالي، بينما ارتفعت في نهاية يونيو 2025 إلى نحو 85.6%، مما يعني وجود فجوة تقارب 13.6 نقطة مئوية. ويشيرون إلى أن تقليص هذه الفجوة يتطلب إما اتباع مسارين رئيسيين أو الجمع بينهما.
السيناريو الأول يتمثل في خفض صافي الدين القائم، حيث تشير التقديرات إلى الحاجة لسداد حوالي 2.4 تريليون جنيه من إجمالي الدين، وهو ما يعادل نحو 50 مليار دولار بسعر الصرف الحالي. لكن هذا الخيار، رغم بساطته، يواجه تحديات كبيرة مثل ضيق الحيز المالي وارتفاع تكلفة خدمة الدين، بالإضافة إلى صعوبة توفير السيولة المطلوبة دون بيع أصول أو الدخول في صفقات مبادلة ديون.
كما يحذر خبراء ماليون من أن الاعتماد على هذا السيناريو قد يؤدي إلى تحسين شكلي في مؤشرات الدين، بينما يمكن أن يتسبب في فقدان أصول منتجة أو الضغط على الإنفاق الاجتماعي. ويؤكدون أن خفض الدين يجب ألا يأتي على حساب النمو أو الاستقرار الاقتصادي.
من ناحية أخرى، يشير البعض إلى السيناريو الثاني الأقل تداولًا، والذي يعتمد على زيادة الناتج القومي بدلاً من خفض الدين. وفقًا لتقديراتهم، للوصول بنسبة الدين إلى 72% دون سداد ديون إضافية، يجب رفع الناتج القومي إلى حوالي 20.8 تريليون جنيه، مقارنة بمستواه الحالي البالغ نحو 17.46 تريليون جنيه، مما يتطلب زيادة تقارب 3.3 تريليون جنيه أو نحو 19%.
الخبراء يرون أن هذا السيناريو أكثر استدامة على المدى الطويل، لكنه الأصعب في التنفيذ، إذ يتطلب نموًا حقيقيًا يعتمد على التوسع الصناعي وزيادة الصادرات ودمج الاقتصاد غير الرسمي، وتحقيق قيمة مضافة فعلية، وليس مجرد نمو اسمي ناتج عن التضخم أو إعادة التقييم المحاسبي.
يتفق معظم الاقتصاديين على أن الحل الأكثر واقعية هو الجمع بين خفض تدريجي ومدروس للدين وتحقيق معدلات نمو حقيقية للناتج القومي، مع تحسين هيكل الدين وتقليل تكلفة خدمته. ويؤكدون أن التركيز يجب أن يكون على نسبة الدين للإيرادات وقدرة الاقتصاد على توليد موارد مستدامة.
ويختتم الخبراء بالقول إن الهدف نفسه إيجابي ومرغوب فيه، لكن تحقيقه بطرق غير منظمة قد يؤدي إلى أزمات أكبر. النجاح الحقيقي لا يقاس فقط بخفض أرقام الدين، بل أيضًا بإنشاء اقتصاد أقوى قادر على النمو وتحمل الالتزامات المالية على المدى الطويل.


التعليقات