تشهد الولايات المتحدة تحولاً جذرياً في سوق العمل، حيث أعلنت شركات كبرى مثل أمازون ويو بي إس وتارجت عن تسريحات جماعية شملت عشرات الآلاف من الموظفين، وذلك في إطار تباطؤ التوظيف وزيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتقليل التكاليف، فقد أعلنت أمازون عن خططها للتخلص من 14 ألف وظيفة مكتبية، ما يمثل حوالي 10% من قوتها العاملة، في حين كشفت يو بي إس عن تقليص نحو 14 ألف وظيفة إدارية خلال آخر 22 شهراً، تزامناً مع إعلان تارجت عن نيتها تسريح 1800 موظف من قسم المكاتب.
هذا التوجه لم يقتصر على هذه الشركات، حيث شهدت شركات أخرى مثل جنرال موتورز وريفـيان ومولسون كورز وبوز ألين هاملتون عمليات تسريح مماثلة، مما أدى إلى دخول عشرات الآلاف من الأمريكيين في سوق عمل راكد تندر فيه فرص العمل المكتبية المستقرة التي كانت تمثل مصدر دخل رئيسي للطبقة المتوسطة.
بحسب بيانات حكومية حديثة، يعاني نحو مليوني أمريكي من البطالة لأكثر من 27 أسبوعاً، في وقت تتبنى فيه الشركات سياسات تقشفية تهدف إلى زيادة الكفاءة من خلال تقليص عدد الموظفين والاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي لأداء المهام التي كانت تتطلب سابقاً موظفين بأجور مرتفعة.
تشير التقارير إلى أن العمالة الإدارية المتبقية تتعرض لضغوط أكبر بعد إعادة الهيكلة، حيث يتولى المديرون الإشراف على عدد أكبر من الموظفين، مع تراجع فرص الترقي وزيادة ساعات العمل، بينما تظل فرص التوظيف للكوادر الجديدة أو خريجي الجامعات محدودة للغاية، مع تركيز التوظيف على القطاعات اليدوية والخدمات الصحية والإنشاءات التي تعاني من نقص حاد في الأيدي العاملة.
دراسة صادرة عن البنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا تشير إلى أن الوظائف ذات الأجور العالية التي تتطلب شهادات جامعية هي الأكثر تعرضاً لتأثير الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من الضغط على المهنيين وأصحاب الخبرة الذين يجدون صعوبة في مواكبة التطورات التقنية السريعة.
المحللون يرون أن هذا التحول يعيد تشكيل سوق العمل الأمريكي نحو نموذج أكثر رشاقة، حيث تركز الشركات على زيادة الإنتاجية بأقل عدد ممكن من العاملين، ويتضح من تقارير الصحيفة أن الموظفين المفصولين يواجهون صعوبات متزايدة في العثور على وظائف جديدة تتناسب مع خبراتهم، مما يتيح لأرباب العمل فرصة تشديد شروط التوظيف.
شهادات بعض المفصولين تشير إلى أن العديد منهم اضطروا لتغيير مسارهم المهني أو قبول وظائف ذات دخل أقل للحفاظ على مستوى معيشتهم، بينما لجأ بعضهم إلى تصفية مدخراتهم أو بيع أصولهم لتغطية النفقات الأساسية.
مديرو الشركات والمستثمرون يؤكدون أن الهدف من هذه الإجراءات هو زيادة الكفاءة التشغيلية وتقليل الهدر في الموارد البشرية، مشيرين إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادراً على كتابة الأكواد البرمجية وإدارة العمليات التحليلية التي كانت سابقاً تتطلب فرقاً كاملة من المطورين والمحللين.
خبراء يحذرون من أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى اتساع الفجوة بين القطاعات عالية التقنية والقطاعات التقليدية، مما يزيد من القلق بشأن مستقبل الوظائف المكتبية في أكبر اقتصاد في العالم، رغم استمرار النمو الاقتصادي الكلي.

تعليقات