في تطور مقلق يثير اهتمام العلماء حول العالم، كشفت دراسة حديثة عن أسرع تراجع لنهر جليدي في التاريخ الحديث، حيث فقد نهر هيكتوريا في القارة القطبية الجنوبية نصف حجمه خلال شهرين فقط، وهذا الانهيار المفاجئ لا يهدد القارة المتجمدة فحسب، بل قد يؤدي إلى ارتفاع كارثي في مستويات البحار العالمية، مما يعيد رسم خرائط الأرض كما نعرفها.
وكما أوردت صحيفة إنفوباى الأرجنتينية، فإن نهر هيكتوريا، الذي يعادل في مساحته مدينة فيلادلفيا الأمريكية، شهد تراجعًا قدره 8 كيلومترات، وهي سرعة غير مسبوقة في العصر الحديث، وأشار العالم تيد سكومبوس من جامعة كولورادو، الذي ساهم في الدراسة، إلى أن ما حدث يعد مذهلاً، إذ أن سرعة التراجع تعتبر جنونية.
ترجع أسباب هذا التراجع السريع إلى تفكك الجليد البحري المحيط، مما سمح لمياه المحيط بالتغلغل تحت الجليد وتفكيكه بسرعة كبيرة، وفقًا للدراسة، فإن نهر هيكتوريا يستقر فوق سهل جليدي منخفض، مما يجعله أكثر عرضة للانزلاق والانهيار عند ارتفاع درجة حرارة المياه، الأمر الذي أدى إلى تسلسل متسارع من الانهيارات يشبه سقوط أحجار الدومينو.
يحذر العلماء من أن ما حدث لنهر هيكتوريا قد يكون مقدمة لانهيارات مشابهة في أنهار جليدية أكبر مثل ثويتس وباين آيلاند، التي تحتوي على كميات هائلة من الجليد تكفي لرفع مستوى البحر العالمي عشرات الأمتار، وقد أكدت الباحثة ناومي أوشوات، إحدى المشاركات في الدراسة، أن ما حدث قد يكون مجرد بداية، وإذا تكرر في أنهار أكبر، فإن التأثير سيكون كارثيًا على المدن الساحلية في جميع أنحاء العالم.
يربط العلماء بين هذا التراجع السريع وتسارع وتيرة التغير المناخي الذي أدى إلى ارتفاع حرارة المحيطات، وبالتالي تدمير الغطاء الجليدي الذي يحمي الأنهار الجليدية، وقد أشار خبراء في المسح البريطاني للقطب الجنوبي إلى أن هذه الظاهرة تعكس مستوى عالٍ من القلق بشأن مستقبل القارة القطبية الجنوبية، التي تحتوي على كميات من الجليد تكفي لرفع مستوى البحر العالمي 58 مترًا إذا ذابت بالكامل.
ورغم أن نهر هيكتوريا يعد صغيرًا نسبيًا، فإن انهياره يثير مخاوف من أن تكون القارة القطبية الجنوبية على وشك نقطة تحول لا عودة منها، ومع استمرار ذوبان الجليد البحري، قد تشهد الأرض موجات متسارعة من ارتفاع مستوى البحر واضطرابات مناخية حادة تؤثر على النظم البيئية والسواحل في جميع القارات.
يؤكد العلماء أن ما حدث في نهر هيكتوريا يعد جرس إنذار للبشرية، ورسالة واضحة بأن الاحتباس الحراري لم يعد خطرًا مستقبليًا بل واقع يتسارع أمام أعيننا، ومع استمرار ذوبان القطب الجنوبي، قد يكون ما نشهده اليوم بداية لعصر جديد من التحولات المناخية التي ستغير ملامح الأرض للأبد.

تعليقات